صبحي بترجي: الثبات في رمال متحركة

feature-img
feature-img
  • 01-05-2018

صبحي بترجي: الثبات في رمال متحركة

لا يخفي صبحي بترجي، رئيس مجلس إدارة مجموعة مستشفيات السعودي الألماني، حقيقة ما يشعر به، وتحدث بصراحة في لقاء مع أريبيان بزنس تناول فيه أهم ما يواجه القطاع الصحي من تحديات، ووصف القطاع الصحي بأنه أشبه بالرمال المتحركة. يتأبط بترجي 30 سنة خبرة ودراية في هذا القطاع فما الذي يعنيه بالرمال المتحركة؟
يرى رئيس مجلس إدارة مجموعة مستشفيات السعودي الألماني أن قطاع الرعاية الصحية يحتاج لاستثمارات كبيرة ونفس طويل نظرا لارتباطاته العديد بالجهات المعنية في أنشطته المختلفة.

ويقول موضحاً: «تحتل الصحة مكانة هامة في المجتمع ولذا يرغب الجميع اليوم بالدخول والاستثمار في هذا القطاع، ولا شك أن اعتماد الحكومات على القطاع الخاص في هذه الأيام يفتح مجالا هاما لجذب رؤوس أموال في هذا القطاع الحيوي. ولكن مشكلة الخوض في غمار هذا المجال أنه صعب وتقني ومعقّد ويحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة. ولذلك فإن هناك قلة من الجهات المحدودة التي تستثمر فيه فعلا. فمن لا يملك خبرة كافية في هذا المجال لن يحقق النجاح وسوف ينهك في محاولته الاستمرار فيه، فالقطاع الصحي مثل الرمال المتحركة، كلما كان حجم الأعمال أكبر كلما كان الغرق فيه أسرع لغير المحترف. كما أن التحديات تبرز مع زيادة التشريعات المنظمة لهذا القطاع نظرا لارتباطه بسلامة وصحة البشر فسوف تجد ارتباطا مع جهات مثل وزارة الصحة ووزارة لتجارة فضلا عن الدفاع المدني وهيئة التخصصات الطبية وهيئة الضمان الصحي.»

وبالاستفسار عن تبعات دخول شركات التأمين إلى هذا القطاع، يوضح بترجي بالقول إن:»شركات التأمين أصبحت لاعبا كبيرا في الرعاية الصحية ويتوقف على ممارساتها أحيانا نجاح المستشفيات أو خروجها من السوق.»

ويلفت بالقول:» رفع التأمين الطلب في هذا القطاع لأنه منح الفرص أمام غير القادرين على تحمل كلفة العلاج كي يحصلوا عليه، ولكنه في نفس الوقت منح شركات التأمين نفوذا كبيرا للتحكم بعمل المستشفيات، حيث أن شركات التأمين أصبحت الآن قادرة على فرض مستويات الأسعار والتكاليف والنفقات وبالتالي التسبب أحيانا بإفلاس المستشفيات والمستوصفات، إذ يمكنها أن تضغط عليهم في الأسعار بسبب القوة الشرائية، وبالتالي نجد الآن خروجا لصغار المستثمرين في القطاع الصحي. ففي هذا الوضع لابد من تدخل المشرّع لتقنين العلاقة بين شركات التأمين ومقدمي الخدمة. فحتى شركات التأمين نفسها تقع في ظل هذه الممارسات ضحية وتتعرض للإفلاس، ونحن نطالب باستقرار عمل شركات التأمين في السعودية، فهناك 30 شركة تأمين تتنافس فيما بينها عن طريق تخفيض الأسعار مما يضر بعملهم أنفسهم ويلحق الضرر بالقطاع الصحي الخاص عموماً الذي يزود تلك الخدمات. فهم يحددون أسعارا متدنية ثم يفرضوا هذه الأسعار على مزودي خدمات الرعاية الصحية من خلال فرض نفوذهم في شراء هذه الخدمات. ونتيجة لذلك تتعرض المستوصفات والشركات الصغيرة في هذا القطاع للضغوط التي تؤدي للإفلاس في كثير من الأحيان، كما أن شركات التأمين ذاتها تتعرض لخطر الإفلاس نتيجة لتلك الممارسات الضارة بالسوق، وهذا الأمر يستدعي تدخلا حكوميا عاجلا لضبط هذه الممارسات وتنظيم السوق، وأقصد بالجهة الحكومية المناط بها ذلك هو هيئة المنافسة بالتحديد، ومؤسسة النقد السعودية وهيئة الضمان الصحي.»

استفسرت أريبيان بزنس عن عدم قدرة فئات مثل ذوي الدخل المحدود أو فئة الخدم المنزلي على تحمل كلفة عالية للتأمين الصحي مما قد يجعله عبئاً كبيراً على العديد من هذه الفئات في المجتمع، ويتفق معنا البترجي في هذا ولكنه يرى أن الأمر يستدعي النظر إلى الصورة الكبيرة والشرائح الاكبر ويقول: «أما بالنسبة للمواطن السعودي فستتكفل الدولة بالكلفة حيث تتولى حالياً علاجه في مستشفيات الحكومة ومستشفيات وزارة الدفاع والحرس الوطني، كما أن وزارة الصحة سوف تنفذ قريبا برنامج تأمين شامل للمواطنين، ليتلقوا العلاج في مستشفيات وزارة الصحة التي سوف تتحول إلى قطاع خاص، وفي مستشفيات القطاع الخاص، ولن يترتب على المواطن أي تكلفة.

وردا على استفسار المجلة حول طريقة عمل مجموعة مستشفيات السعودي الألماني كشركة مساهمة والقيود التي تواجهه بتلك الصفة، يجيب بالقول :» بالطبع تلتزم شركات المساهمة بتشريعات وإجراءات معينة، ولكن رغم مرونة شركات صغار المستثمرين وتميز شركاتهم بالسرعة إلا أن الشركات العائلية يجب أن تتحول إلى شركات مساهمة عاجلاً أم آجلاً، لأن ذلك ضمان لاستمرارها، واتوقع أن أي شركة لها حجم معين في السوق عليها أن تتوجه إلى التحول لشركة مساهمة، وقد يخالفني البعض ولكنني أتوقع لأي شركة عائلية أن تنتهي ما لم تتحول إلى شركة مساهمة، ويمكنني أن أقدر أن الشركات العائلية في العالم ينتهي دورها عادة خلال فترة ما بين 25 إلى 40 سنة من تاريخ التأسيس».
أما بالسؤال عن أحوال هذا القطاع في باقي دول مجلس التعاون الخليجي، أجاب سعادته أنها نفس التحديات الموجودة في السعودية تنتشر في قطاع الرعاية الصحية في دول الخليج، أضاف بترجي قائلا:» لا توجد ذات التحديات بنفس قوتها في السعودية في القطاع الصحي في الإمارات أو دول الخليج الأخرى، إلى أن ذلك سيحصل قريبا، وأعتقد في السعودية بأن الضرائب التي فرضت على غير المواطنين قد تتسبب بخروج عدد كبير من الوافدين وبالتالي قد تشكل ضغطا على الاقتصاد بصورة عامة وإن كان ذلك لفترة مؤقتة. وقد تخرج شركات ومؤسسات صغيرة ومتوسطة من السوق في بعض المجالات. هذا شيء متوقع. لكن في المستقبل وبعد العام 2020، أتا متأكد أن الوضع سوف يتغير بالنسبة للاقتصاد العام، لكن بالنسبة للعلاقة بين مزودي خدمة الرعاية الصحية وشركات التأمين، لابد من تدخل المشرّع في صيغة وزارة الصحة وهيئة المنافسة ووزارة التجارة والاستثمار وهيئة الضمان الصحي ومؤسس النقد اذ لابد من تدخلهم لتقنين العلاقة بين شركات التأمين ومقدمي الخدمة. وفي نظري، أهم شيء في هذا كله هو وضع حد أدنى لبوليصة التأمين. المشكلة تبدأ في بوليصة التأمين، من حيث تضارب شركات التأمين على المؤّمن عليه، وهم يخفضون الأسعار وبالتالي يفرضونها على مقدمي الخدمة.

وهذا الأمر يحصل في السعودية. وأنا أعتقد أن هذا الأمر سيحصل في باقي الإمارات كذلك. هل تعلم أنه الآن توجد بوالص في السعودية تباع بـ 300 ريال. وهذه كله بوالص لمجرد الامتثال للتعليمات والحصول على تجديد الإقامة، بالتالي هذا يتطلب تدخل المشرّع بأن تُمنع هذه الممارسات ويمنع خفض الأسعار هذا الذي يحصل بين شركات التأمين. هذا موضوع خطير جداً، يعني توجد الآن شركات تأمين معينة أصبحت قيمتها السوقية أقل بكثير من قيمتها الدفترية، أي أن خسارتها باتت أكثر من رأس مالها. وتوجد شركات تأمين كثيرة تقوم بتخفيض رأس مالها مما يعني ضياع أموال المساهمين. الموضوع ليس موضوع يمكن تركه للقوى السوقية. أنت الآن تتكلم عن مصالح ناس كثيرة وتتكلم عن رؤوس أموال مواطنين ورؤوس أموال شركات كبيرة في التأمين، لا يجب أن تترك الأمور على حالها كما هي اليوم.»

لا يخفي بترجي إعجابه الشديد بأداء وزارة الصحة على مدى السنوات الماضية والوقت الراهن بل يشيد بأسلوب عملها غير التقليدي ودورها المحوري في تطوير قطاع الرعاية الصحية ويوضح قائلا:» أعتقد أن وزارة الصحة في السعودية أصبحت تعتبر الآن مثال نموذجي في التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص وهناك ثورة تحدث في أسلوب عمل وزارة الصحة في السعودية. وسيفاجئ الجميع على مستوى العالم العربي في كيفية التحول في هذا القطاع الحكومي ليقدم أداء قويا حين يشرف على عمل القطاع الخاص بطريقة تفكير متقدمة وأسلوب عمل فائق.

يلفت بترجي إلى ما تقوم به وزارة الصحة حالياً بالعمل الذي لا يرتبط بشخصية الوزير بل بخطط علمية ومتقدمة لتطوير هذا القطاع بشكل لا مثيل له في المنطقة. يوضح ذلك بالقول:» أكبر مثال في عمل وزارة الصحة أن القيادة العليا فيها أصبحت تجتمع دوريا معنا في القطاع الخاص أي كل 3 أشهر وتصغي إلى آرائنا، ومثلا أصبح الآن الحصول على التراخيص أسرع بكثير فيما كانت هناك من قبل إجراءات معقدة تستدعي الكثير من الوقت وقد تستغرق قرابة الشهر أو أكثر فيما لاتحتاج اليوم إلى أكثر من ثواني فقط، وذلك للحصول على الموافقات وإنجاز المعاملات والإجراءات. وهذه أمور كان من غير الممكن أن تتوقعها في السعودية وتلاشت التعقيدات السابقة في الوزارة والآن تحولت إلى وزارة أفضل وتفوق ما نحلم به».

وأتوقع من هذا المنطلق أن تفاجئ وزارة الصحة في السعودية الجميع على مستوى العالم العربي كله، و أقرب مثال على ذلك إنجازها السريع حاليا لإجراءات التراخيص، فضلا عن الشفافية وإصدار التشريعات. وتكتسب ناحية التشريعات أهمية كبيرة بالنسبة لنا، ومن خلالها اضطلعت الوزارة بإجراء تغيير جذري للنظام الصحي في المشافي الخاصة، كما أن أسلوب عمل وزارة الصحة تغير جذرياً سواء كان ذلك في الثقافة السائدة أو في أسلوب العمل وطريقة التفكير. فعلى سبيل المثال تطبق الوزارة برنامجا لقياس التزام مؤسسات الرعاية الصحية بمؤشرات عديدة، وهو برنامج فريد من نوعه إذ يمنحك التحقق ذاتيا من التزامك لتجري تقييما وتدقيقا لأنشطتك وبالتالي اكتشاف جوانب القصور ثم تعرض عليك الوزارة أن تساعدك في تلافي ذلك القصور والجوانب التي تحتاج لتطوير وبعد كل هذا تتولى الوزارة إجراء تقييم حول التزام المؤسسة وتقيدها بالمعايير بطريقة سليمة. يعد ذلك الأسلوب وهذا الفكر أمرا جديدا كليا بالنسبة لنا فهذه الشفافية في التعامل هي أيضا ناحية جديدة واعتقد أن ذلك ينم عن رقي في أسلوب التفكير.»


تغزو تقنية المعلومات كل قطاعات الاقتصاد وتحدث فيها تغييرات عميقة، وبالاستفسار عن التقنيات التي تدخل قطاع الرعاية الصحية في السنوات القادمة، يجيب رئيس مجلس إدارة مجموعة مستشفيات السعودي الألماني بالقول:» تنتشر التقنيات الجديدة في القطاع الصحي في مختلف المجالات بحيث أصبحت جزءا هاما فيه ويتواصل تبني هذه التقنيات ويتزايد تبنيها في العمل لدينا مع التوسع في النمو، وفي الواقع تتميز المستشفيات في الخليج بصورة عامة بأنها متقدمة تقنياً سواء كان ذلك في القطاع الحكومي أو الخاص، بل يمكن التأكيد أن المستشفيات في الخليج هي أفضل المستشفيات في العالم العربي كله، وخاصة في السعودية والإمارات.»


أما عن رأي بترجي حول أداء القطاع في 2018، فهو يبدو تفاؤلا كبيرا ويقول نحن مؤمنون بالرؤية بصفة عامة فالسعودية اقتصاد كبير جداً ومن أكبر 20 اقتصاد في العالم، وأمامها آفاق كبيرة. فالسعودية مارد كبير كان حتى اليوم نائماً لكنه أفاق، فقد أصبحت الآن لدينا رؤية محددة وقد نكون ربما أفضل دولة عربية الآن في موضوع التخطيط وموضوع الرؤية والأهداف المحددة، فنحن نملك الآن في كل وزارة أهداف معينة ومحددة بأيام وتواريخ معينة لإنجازها، وبالتالي يمكن أن يحاسب الوزراء على إنجازهم لهذه الأهداف بصفة دورية، ويتم تغيير الوزراء بانتظام في حالة عدم تحقيق أهداف الرؤية ولم يعد الإنجاز مرتبطا بشخص وزير أو وزارة معينة بل أصبح هناك الآن جهة تحدد المطلوب وترسم مستقبل المملكة وعلى الجميع الانضواء لتحقيق ذلك.
ففي السابق كان عمل الوزراء عشوائيا بلا هدف محدد فيما اليوم تغيرت الأحوال بوجود سياسة ناظمة لعمل الوزراء في الحكومة وفقا لاتجاه حدد وبالتالي أصبح هناك تركيز ليزري للجهود بدلا من تبدد الجهود المتناقض في كل اتجاه كما كان الحال سابقا.
من هذا المنطلق أرى أن المستقبل سيكون باهرا وليس جيدا فقط، أما على المستوى العالمي، فإنني أتوقع أن تتبوأ المملكة خلال العشر سنوات القادمة مراتب هامة وسوف تصبح ضمن الاقتصادات العشر الأولى في العالم أي ستقفز من مركزها ضمن العشرين إلى المراكز العشرة الأولى بين الاقتصادات العالمية.

فعلى سبيل المثال، لو أخذنا إمكانيات المملكة في قطاع الطاقة المتجددة أو الطاقة الشمسية، تكفي الاستفادة من 7% من أراضي المملكة في الطاقة الشمسية كي تنتج 200 جيجاوات، يمكنها أن تغذي العالم كله بالطقة النظيفة إضافة إلى الطاقة الكربوهيدراتية (البترول)، وبالنظر إلى الربع الخالي فسنجده منجما للطاقة النظيفة على مستوى العالم. فنحن لو لم نصدّر نفط يمكننا تصدير طاقة نظيفة يحتاجها العالم كله. وتتوفر لدينا الطاقة الشمسية من جانب يؤمن إمكانيات كبيرة ناهيك عن طاقات الشباب السعودي وعن إمكانيات القوى البشرية المتعلمة من السعوديين المنتشرين في كثير من أنحاء العالم، فهي قوة بشرية وشابة تتوق للإنتاج. وبالتالي أرى أنه بحلول 2030 ستكون السعودية قوة اقتصادية كبرى في العالم وسوف نكون شيئاً آخر حينها».

السعودي الألماني دبي